في الآونة الأخيرة تعرض السوق المحلي المصري لغزو من قبل المنتجات الإلكترونية الصينية، أغرقته وأدخلت صناعة الإلكترونيات الوطنية في منافسة شرسة لا تملك أدواتها.
ثقافة الجمهور تدفعه دائما إلى البحث عن الأرخص بغض النظر عن الجودة، وبالتالي أصبح إقباله ينصب علي الأجهزة الصينية التي تباع بفارق أسعار كبير وبالتالي تأثرت حركة البيع في الأسواق.. وهو ما يدفعنا إلى التعرف علي موقف صناعة الإلكترونيات الوطنية الآن؟ وما هي السبل التي من شأنها المحافظة عليها ودعمها؟
تقدمت العديد من شركات الإلكترونيات الوطنية وبالأخص العاملة في مجال تجميع وتصنيع أجهزة التليفزيون والكمبيوتر بمذكرة إلى الجهات الرسمية، أوضحوا خلالها الوضع المأساوي الذي يعيشونه وسط تعنت جمركي وقوانين لا تمنحهم ميزة يحققون من خلالها منافسة عادلة ومتساوية بين المنتج المستورد والمنتج المصنع محليا الذي يتحمل أكثر من 12% جمارك من قيمة المكونات الإلكترونية الأساسية في تصنيعه.
وأوضحت تلك المذكرة أن هناك محورين أساسيين يشكلان عدم الاتزان في المنافسة بين المنتج المجمع محليا والمستورد، كلاهما يرتبط بصورة أساسية باتفاقية التبادل التجاري الحر العربية، أولهما يشير إلى عدم توحيد قاعدة وأسس تقييم عمق التصنيع، الذي يشترط الوصول إلى نسبة تصنيع محلي 40%، ومن ثم يترتب عليه إصدار شهادة منشأ من الدول المصدرة في إطار اتفاقية التبادل التجاري الحر، ومن ثم الحصول علي الإعفاء الكامل من الجمارك.
أما المحور الثاني فهو يرتبط بعدم توحيد قاعدة فئات الرسوم الجمركية بين المنتج المحلي والمنتج المستورد في إطار هذه الاتفاقية.
منافسة غير عادلة
يقول الدكتور علاء مدني مدير إحدى شركات الإلكترونيات: حينما نتحدث عن تلك الأزمة يجب أن لا نلقي باللوم الكامل علي جهة محددة، فهناك العديد من الأسباب المتداخلة والمتشابكة التي تقف وراء عدم قدرة صناعة الإلكترونيات المحلية علي المنافسة مع المثيل الأجنبي، أهمها يتعلق بثقافة الجمهور والافتقار إلى الخبرات والتخصصات المهمة في مجال التصميم والابتكار.
يضاف إلى ذلك غياب التخطيط للنشاط البحثي في الصناعة الإلكترونية سواء كان المرتبط بصورة مباشرة بالقطاع الخاص أو الدولة، فبحسبة بسيطة نجد أن المراكز البحثية التي ترتبط بالصناعة بصورة مباشرة ضعيفة يمكن حصرها علي أصابع اليدين، وفي حالة تواجدها لا تجد الدعم الفني والمادي الكافي لدفعها نحو إيجاد حلول عملية للمشاكل التي تعاني منها، وفي الأعم لا تملك من الرؤية ما يجعلها تعمل بالتعاون مع المراكز البحثية الحكومية التي تملك الخبرات الفنية المدربة، بسبب عدم فاعلية القوانين المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية والخوف لدي القطاع الخاص من تسرب أفكاره ومخترعاته أو العكس.
المنتجات الصينية
يقول المهندس محمد يونس مدير إحدى شركات الإلكترونيات الخاصة بأن هذه الأزمة التي تعيشها صناعة الإلكترونيات الوطنية، وتجعلها في مواجهة حادة وشرسة من المنتجات الصينية وغيرها، يمكن أن تكون نقطة انطلاق فعالة نحو البحث عن وجود عدد من المخارج الأساسية، التي من شأنها توفر للمنتجات الوطنية منافسة متكافئة مع المثيل الأجنبي.
أهم تلك المخارج يتصل بضرورة العمل علي تطوير صناعة الإلكترونيات المحلية، عن طريق توفير عنصران هما زيادة الجودة للمنتجات وقيام المصانع الوطنية بالعمل المشترك مع كبري الشركات المصنعة للأجهزة الإلكترونية، التي تحافظ بدورها علي جودة منتجاتها، من خلال استخدام مكونات ذات اعتمادية عالية، وفي الوقت ذاته تحقق نسبة أكثر من 45% عمق تصنيع، وتتيح كافة خدمات ما بعد البيع.
أما العنصر الثاني فهو يرتبط بمساعدة القطاع الخاص في عملية تخفيض تكلفة الإنتاج، وذلك من خلال تقديم التيسيرات المختلفة التي من شأنها تقليل الرسوم الإضافية علي المكونات الإلكترونية المستوردة، وهو ما ينعكس بدورة علي التكلفة النهائية للمنتج الوطني، وهذا من شأنه أن يزيد من القدرة التنافسية للمنتجات المصرية سواء في السوق المحلية أو في الأسواق الخارجية.
فعدم وجود مثل هذين العنصرين يقوي من انتشار الأجهزة الصينية التي لا تتمتع بضمان وليس لمستورديها أي مراكز للخدمة، مما يعرض المواطن المصري إلى مواجهة الكثير من مشاكل خدمة ما بعد البيع.
يضاف إلى ذلك أن أغلبية تلك الأجهزة الإلكترونية المستوردة تكون معفاة من الجمارك بشكل كامل، علي أساس تقديم المستوردين والمصدرين لشهادة منشأ عربية، تفيد بأن نسبة المكون المحلي العربي أكثر من 40%، وهذا يخالف الحقيقة وفقا للمعايير التي تحدد أسس إصدار شهادات المنشأ، لأن أغلبية الدول العربية التي يتم استيراد تلك الأجهزة منها، لا تمتلك قاعدة علمية أو فنية في صناعة مثل تلك الأجهزة الإلكترونية.
أجهزة رديئة
يؤكد عماد حامد مدير مبيعات بإحدى شركات الإلكترونيات بباب اللوق أن الأجهزة الصينية التي تغرق السوق المحلي، تصنف من حيث جودتها إلى أربعة مستويات، المستوي الأول منها يرقى إلى الأجهزة الكورية، ولكن التاجر المصري يواجه صعوبة في ترويجها، ومن ثم يلجأ إلى استيراد الأجهزة ذات مستوي رابع وهي المنتشرة الآن في السوق المحلي، وتحتوي علي مكونات إلكترونية رخيصة وضعيفة تتميز بقصر العمر الافتراضي لها، بينما الشركات المصرية المجمعة للأجهزة الإلكترونية تعتمد في عملها علي اقتناء معظم مكوناتها الإلكترونية من السوق الكوري، التي تعد حسب المقاييس العالمية ذات مواصفات وجودة أعلي من المستخدم في الأجهزة الصينية، ومن هنا يبز الدور القومي الذي يجب أن تضطلع بها هيئة الرقابة علي الصادرات والواردات بدورها في مراقبة جودة الأجهزة الواردة من الخارج لحماية المستهلك.
لا يعني هذا بالضرورة أن تكون كافة المنتجات الصينية التي تغزو السوق المحلي ذات السعر الرخيص تمثل بضاعة مقلدة ذات جودة متدنية.
لأن بضائع الصين بصفة عامة رخيصة نوعا ما نظرا لرخص الأيدي العاملة
وتوفر التجهيزات الصناعية والتسهيلات التي تقدمها الحكومية لإنشاء المصانع
وتسهيل الاستثمارات للشركات العالمية المتخصصة في صناعة الإلكترونيات لصنع منتجاتها في الصين، حيث ظلت الصين لفترة معينة تقلد بعض العلامات التجارية
و لكن حاليا اختلف الوضع كليا، وباتت مركزا مهما لجلب أصحاب الماركات التجارية العالمية.
ويتداخل ممدوح عبد الله مدير تسويق بمحل إلكترونيات بباب اللوق ويشير إلى أن السلع التي نراها في السوق المحلي ذات الأسعار المتدنية بالمقارنة بالأجهزة المحلية الصنع، تعود بصورة أساسية إلى الجهات المستوردة التي تفضل تحقيق المكاسب المادية عن حماية المستهلك والإضرار بالصناعة الوطنية المثيلة.
ويكمن السر في استيراد العديد من السلع الإلكترونية ذات الجودة المتدنية والتي لا تحمل علامة تجارية مسجلة دوليا، إلى الجهة المستوردة التي تطلب من المصانع الصينية إنتاج بضائع رخيصة، وهو يعلم بأنه سوف يدفع ثمن هذا الانخفاض في السعر في فقد جزء من جودة هذه السلعة، لأن المصنع سوف يقوم بدورة بتخفيض حجم وكمية المواد الأساسية الداخلة في صناعة هذه السلعة إلى الحد الذي يعوضه عن تخفيض السعر للعميل، لأن بعض المصانع الصينية لديها مرونة عالية في تلبية رغبات العملاء.